يبدو أن العراق سيظل في بؤرة الأضواء والأخبار لمدة قد تطول، وأن الأيام تحمل الكثير من افرازات مرحلة ما بعد صدام حسين، الأوضاع الأمنية تزداد سوءاً، وتوفير المتطلبات الأساسية لحياة الإنسان الكريمة، أصبح حلماً من الأحلام، بل إن هنالك من يترحم على الأيام السابقة لمرحلة ما قبل الاحتلال.
إن الادارة الأميركية تدرك الآن، وبشكل ملحوظ أن ما اعتمدت عليه من تقارير في مرحلة ما قبل الاحتلال لم تكن لها علاقة بالواقع الملموس واليومي للعراق، سواء كانت تلك المعلومات من أصدقائها في الداخل أم من الخارج، ولعل المشكلات التي تواجهها حالياً تؤكد على ذلك.
لقد كان من السهل على أقوى دولة في العالم، أن تحتل دولة منهكة من النظام البعثي الحاكم، والذي ظل جاثماً على صدر الشعب العراقي لمدة تزيد على ثلاثة عقود، إذا أضفنا إلى ذلك سنوات الحصار الاقتصادي، والذي أهلك آلاف الأطفال، وجعلت ذلك الإنسان المعتز بكرامته، إنساناً آخر خائفاً من كل شيء· هذه الأوضاع هي التي ساعدت على سرعة انهيار النظام السياسي وسرعة الاحتلال· إلا أن تدهور الأوضاع الأمنية وبروز بعض من رموز النخبة السياسية الفاسدة على السطح، جعل الشارع يفكر بشكل آخر· فهل يعقل أن يؤدي التحرر من العبودية البعثية إلى عهد وشكل جديد من العبودية؟ إضافة إلى ذلك برزت العديد من الأسئلة المشروعة حول مستقبل العراق، والعلاقة مع المستعمر الجديد، ذلك الذي لا يؤمن إلا بمبدأ القوة المساند للعدو الصهيوني، والذي يبين أن القضايا التي تهمه هي الاقتصاد وتحديداً النفط، وأن آخر همومه حياة الإنسان العراقي البسيط· إن الصراع القادم سيكون بين قوى العولمة ومؤسساتها الدولية، وهذا الصراع سيكون على حساب المواطن العراقي، وستكون هنالك فئة بسيطة ستستفيد من تعمير العراق، وتدمير اقتصاده في الوقت نفسه.
من هنا برزت حركة رافضة للأوضاع الجديدة، إلا أن الحديث عنها يحمل أكثر من معنى· فهي منطقة ألغام منتشرة في كل مكان. و لا يجب أن تكون هنالك العديد من الجهات التي تدعي أنها تقاتل الاحتلال· وهنالك العديد من الأسئلة المطروحة حول مستقبل هذه الفئات التي تدعي ذلك، وكل الخوف أن يتحول ذلك الاتجاه لأهداف مختلفة إلى بداية حرب أهلية داخلية، حيث إن هنالك قوى تسعى منذ البداية إلى دخول أجواء الحرب الأهلية في لبنان، آخذين بعين الاعتبار الفلتان الأمني ووجود كمية هائلة من الأسلحة والمعدات من بقايا النظام السابق. وتوفر قدرات مالية هائلة، سيساعد على إشعال نار الفتنة الطائفية والقومية والفئوية في العراق.
إن أخطر ما يمكن أن يعيشه العراق هو إلقاء تبعة ما يحدث فيه على الغير دون البحث عن الأسباب الجوهرية لما يجري على أرض الواقع. في رأي هذا البعض أن ما يحدث في العراق يعود إلى تدخل العرب في شؤونهم، وهؤلاء العرب قد يكونون السوريين أو الأردنيين أو السعوديين وفي بعض الأحيان لا تتم التسمية، ويعزى ما يحدث أحياناً إلى تحريض قناة فضائية أو إذاعة· ولو أن إذاعة أو محطة فضائية تقدر على إنهاض شعب لكانت أوضاع كثيرة في العالم تغيرت منذ قرون· وأسوأ ما في الأمر أيضاً أن نجد بعض كتاب العراق يدعون إلى الانسلاخ عن الأمة العربية دون أن يدركوا ما ستجره هذه الدعوات من خطر على العراق ومستقبله السياسي.
إن المطلوب وضع اليد على الجرح والتعرف على الأسباب الحقيقية للمشكلات في العراق والتي يأتي في مقدمتها الاحتلال والتعسف الذي يعامل به الشعب العراقي، وسوء الأحوال المعيشية وبروز القطط السمان من داخل العراق وخارجه الذين يعملون على إفقار شعب العراق وامتصاص ثرواته وخيراته بحجة إعمار العراق الذي لا يرى منه العراقيون شيئاً.
إن كل يوم يمر في العراق دونما إيجاد حلول لمشكلات الشعب اليومية يزيد من أعداد الناقمين على كل من يقف مع العهد الجديد، ولعل المستجدات على ساحة الصراع العربي-الإسرائيلي تلعب دوراً في تزايد احتمالات الأسوأ في العراق، فالشعب العراقي ما يزال يؤمن بأن الإدارة الأميركية هي الوجه الآخر للدولة الصهيونية، وهو الذي يساندها على مدى نصف قرن من الزمان.
إن الحل هو في اتخاذ الخطوات الإيجابية والعملية لتحقيق حلم الشعب العراقي في أن يعيش في مستوى يليق بالانتماء إلى دولة من أغنى دول العالم نفطياً. ويبقى أن يتفق الجميع أن الحروب هي الدمار الشامل، وأن هذا الوطن الجميل للجميع، وألا يتكرر من جديد عهد القمع والاضطهاد تحت أي مسمى، سواء كان هذا المسمى: الاحتلال، أم سيطرة قومية على أخرى· والأشد سوءاً وبؤساً هو بروز من يريد أن يحكم العراق على نمط حكم (طالبان) البائد ويقف في وجه أي توجه نحو الديمقراطية الحقيقية التي تؤمن بحرية الإنسان الكاملة وتداول السلطة.